ساحة النور, بين الماضي والحاضر

 ساحة النور أو ساحة عبد الحميد كرامي سابقاً:

ساحة النور, تعتبر مدخل مدينة طرابلس و قلبها النابض في جميع المناسبات. إنّها مستديرة أساسية تربط مختلف مناطق طرابلس ببعضها البعض.

سمّيت السّاحة ساحة عبد الحميد كرامي على اسم هذا الزعيم الذي انتفض معارضاً ضدّ الاحتلال الفرنسي و مطالباً بالاستقلال. لم يقتصر الأمر على الاسم فقط فقد نصب لعبد الحميد كرامي تمثال له في وسط المدينة.

اشتهرت هذه السّاحة منذ القدم بالانتفاض و الاحتجاج ضدّ معظم المواقف التي أزعجت اللبنانيين عامّةً وسكان طرابلس خاصّةً. فقد احتجّ الطرابلسيّون في هذه الساحة على مسألة الفقر ، توقيف ذويهم في السجون، الفساد وغيرها من المسائل. تعدّ الساحة مركز للتعبير عن الرأي و ملاذ يجمع سكان الشمال للوقوف إلى جانب بعضهم و مساندة بعضهم في أي قضية إنسانية تهدف لتحسين حياة المدنيين في الشمال.

ساحة النور

تعتبر ساحة النّور أو ساحة عبد الحميد كرامي سابقاً مدخل مدينة طرابلس

التغيرات على ساحة النور:

مع مرور الوقت وفي غضون الحرب أزيل تمثال عبد الحميد كرامي و وضع مكانه لفظ الجلالة “الله” و أصبحت تعرف “بساحة النور”. شكّلت ساحة النور في أيّامنا رمزاً للثورة وكان ذلك خلال ثورة ١٧ تشرين الأول سنة ٢٠١٩. في تلك الآونة قصدها جميع اللبنانيون للمشاركة في الاحتجاج و التضامن ضدّ الفساد في لبنان. امتلأت السّاحة بملايين الأشخاص من مختلف الأديان و الفئات العمريّة مطالبين بحقوقهم من خلال الخطابات و الأغاني الثورية التي انتشرت أثناء الثورة مما جعلها تلقّب بعروس الثورة. بالإضافة إلى الأغاني و الخطابات ، رسم أحد فنانين المدينة علم لبنان على أحد أبنية الساحة تعبيراً عن حبّ اللبنانيين لوطنهم وحرصهم على سلامته من الفساد.

في ظلّ ثورة تشرين الأول أقفل السّكان مداخل الساحة الستة وحوّلوها من ساحة مرور إلى مكان للمظاهرات والاحتجاجات. انعكس هذا الأمر سلباً على المحلّات التجارية الموجودة في الساحة. فقد أجبر أصحاب المحلّات على الإقفال بوجود ملايين الثائرين والثائرات في الساحة. كان عدد المقبلين كبير جداً مما جعل الناس يركنون سياراتهم بعيدا و السير للوصول إلى قلب الساحة.

لكن ما لبث أن انخفض عدد المشاركين في هذه الاعتصامات بعد المشاكل و حركات الشغب التي حصلت في الساحة ، الأمر الذي أرعب نفوس الثائرين و أجبرهم على الانسحاب قائلين أنّ الثورة أخذت مجرى آخر بعيد عن المنطلق الذي بدأت منه.

ساحة النور

إنّها مستديرة أساسية تربط مختلف مناطق طرابلس ببعضها البعض.

مميزات ساحة عبدالحميد كرامي:

 

تتميّز ساحة النور باكتظاظ السّكان و السيّارات الدائم، الأمر الذي يشعرك بالأمان فيها مهما كانت الساعة. تزيّن هذه السّاحة مختلف العربات البسيطة التي تعبّر عن تواضع شعبها. تبيع هذه العربات الكعك الطرابلسي اللذيذ ، القهوة ومختلف المشروبات و الأطعمة.

يعمد أهالي طرابلس إلى الاحتفال في مختلف المناسبات عن طريق ساحة النور.  في رمضان على سبيل المثال يتمّ تزيين السّاحة بزينة رمضان و توزيع الحلوى للمارّة لإحياء هذه المناسبة الفضيلة في طرابلس.

يتم الاحتفال أيضاً بالمولد النبوي الشريف في الساحة إحياءً للعادات الدينية القيّمة. يتم تعليق بعض الآيات الخاصة بهذه المناسبة “ولد الهدى فالكائنات ضياء” بالإضافة إلى وضع أناشيد دينية و أذكار في أرجاء الساحة للاحتفال ونشر الفرحة بولادة الرسول عليه الصلاة و السلام.

لم تكن الاحتفالات في ساحة النور حكراً على المسلمين فقط.  فقد احتفل سكان المدينة بمناسبة الميلاد المجيد و وضعوا شجرة الميلاد في الساحة. زيّن السكان الشجرة للتأكيد على فكرة العيش المشترك مع المسيحيين في هذه المناسبة الخاصة بهم. بدأ الناس في حينها بزيارة الساحة و التقاط الصور أمام شجرة الميلاد الموجودة فيها.

ساحة النور

تعتبر ساحة النّور أو ساحة عبد الحميد كرامي سابقاً مدخل مدينة طرابلس و قلبها النابض في جميع المناسبات.

لم يتفّق جميع سكان المدينة على فكرة العيش المشترك بل انقسموا في هذه المسألة  ، فالبعض رأى أن هذه المناسبة لا تخص المسلمين و لم يكن هناك ضرورة لوضع الشجرة في الساحة و البعض الآخر شجّع هذه المبادرة ورأى أنها حركة ترمز إلى السلام ، التضامن و الخروج عن قيود الطوائف.

أخيراً، بالرّغم من تعدّد الألقاب الذي رافق هذه الساحة مع مرور الزمان إلّا أنّها تبقى من أهمّ و أجمل المعالم الطرابلسيّة و المقصد الأساسي للثورة و الانتفاض. إنّها السّاحة الأقرب لقلوب سكّان المدينة و ملجأهم الأول و الأخير للتعبير عن آرائهم.و لكن ماذا سيكون مستقبل ساحة النور في الأيام المقبلة  ؟ هل ستلقّب باسم جديد مع مرور السنين ؟