قصر موسى، عنوان التحدّي والإصرار
قصر موسى,
إنّه قصر من أجمل قصور لبنان. بني بعد جهد وحلم رجل عصامي لم يؤمن بقدرته أحد. أصبح اليوم من أبرز المزارات الأثرية اللبنانية وعمود مهم من أعمدة لبنان وأساسياته. يجمع هذا القصر بين الفن والعمارة والآثار والطبيعة الخلّابة أيضاً. يرمز بوجوده إلى الإصرار والأمل الذي يتحلّى به شعب لبنان رغم كلّ الأمور والمصاعب التي تواجهه حيث يبقى اللبناني يسعى لتحقيق حلمه بيديه مهما طال الوقت. عنوان وجهتنا السياحية اليوم هو “قصر موسى”.
موقع قصر موسى ومساحته:
بين أحراج الصنوبر في الشوف وتحديداً بين دير القمر وبيت الدين يقع قصر موسى الأثري. يمتدّ قصر موسى على مساحة سبعة آلاف متر مربّع تقريباً و يرتفع نحو ٩٠٠ متر عن سطح البحر.
سرّ بناء قلعة موسى:
بني قصر موسى على يد “موسى المعماري”. في عام ١٩٤٥ عندما انتقل موسى إلى مدرسة جديدة أعجب بفتاة غنيّة وأراد التقرّب منها لكنها سخرت منه ومن وضعه المادي وقالت له أنه لا يملك شيئاً وعندما يصبح لديه قصر يمكن أن تتكلّم معه وقامت بالاشتكاء عليه لأستاذه الذي قام بإركاعه على أرجله و أجبره على الاعتذار منها. احتفظ موسى بعصا الخيزران التي ضرب بها من أجل تلك الفتاة الغنية. كانت والدة موسى الداعم الأساسي له وشجّعته على تحقيق حلمه عن طريق دعائها ” إن شاء الله تحمل التراب ويصبح ذهب بين يديك”. في سن الخامسة عشر قرّر موسى الهروب من المدرسة حيث أخذ معه ورقة تصميم قصر أحلامه وذهب سيراً من طرطوس إلى صيدا. بدأ بالعمل ليلاً نهاراً مع عمّه عيسى المعماري بترميم قلعة صيدا البحرية واكتسب خبرة كافية في ترميم المباني الأثرية. ثم أصبح يعمل في مديرية الآثار في بيروت بعد أن كلّفه الأمير موريس شهاب ببعض المهام في المتحف الوطني.
هندسة قصر موسى:
يجسّد القصر من الخارج قلعة ضخمة مبنية يدويّاً من أحجار متعددة الأحجام والأشكال. كل حجر من حجارة قلعة موسى منقوش برسمة لا تشبه الرسومات الموجودة على الأحجار الأخرى. من الجانب الأيمن والأيسر يمكننا رؤية برجين دائريين ضخمين يتوزّع بينهما مدافع حربية ليكتمل شكل القلعة. يبرز أول حجر وضع للقلعة في الواجهة الأمامية لها وقد تطلّب هذا الإنجاز أكثر من ١٣ ألف حجارة. فيما نجد الحجر الأخير في أعلى القلعة. حيث نقش عليه تاريخ تأسيس القلعة ١٩٦٢ مع بيت شعر عن الحجر وحرفية البناء.
تتألّق القلعة من ثلاثة طوابق ويتم الدخول إليها عن طريق جسر خشبي يفتح بجنزير من الحديد. يجري تحت الجسر نهر صغير ويؤدي الجسر إلى بوابة حديدية صنعت من ثلاثة أبواب تبدأ من الأصغر حجماً إلى الباب الثالث الأكبر حجماً. كان هدف موسى من الباب الأصغر لينحني رأس الفتاة الغنية التي سخرت منه وأستاذه الذي ضربه عند دخولهم لقصره. عند مدخل القصر نجد كرسي مصنوع من الخيزران يجلس عليه موسى لاستقبال الزوار. ثم نرى صالة كبيرة تضمّ مجسّمات العمّال التي تتحرّك بواسطة الماء وترمز هذه التماثيل إلى الحرف التي اشتهر بها لبنان كالفاخوري والإسكافي والحدّاد بالإضافة إلى تماثيل لنساء تبرز أدوارهم سابقاً بتحضير الطعام ورعاية الأطفال وخياطة الثياب. في القلعة مكتب موسى الشخصي الذي ما زال كما تركه بوجود أغراضه الشخصية وبعض الأسلحة التي تزيّن جدران المكتب.
معلومات أكثر:
يتمّ النزول إلى الطابق الأرضي عن طريق درج دائري. ينقسم الطابق الأرضي إلى عدّة غرف أبرزها الغرفة التي تجسّد صف موسى المعماري في مدرسة المتنبي في طرطوس والتي حصلت فيها الحادثة مع الفتاة. صوّر موسى المشهد تماماً كما هو محفور في ذاكرته فنجد مجسّم الأستاذ الذي يحمل عصا و يضرب تلميذه و رفاق التلميذ يضحكون عليه ويسخرون منه. سكّلت الغرفة الثانية الغرفة التي تصوّر الضيعة وعاداتها. أمّا الغرفة الثالثة فهي كانت للعشاء السرّي التي تضمّ تماثيل ضخمة. كما نجد غرفة تحتوي على بعض الأدوات التي استخدمها موسى لبناء القلعة. بالإضافة إلى وجود ثياب العمل التي كان يلبسها موسى من ضمنها سترة رمادية كان موسى يحبّها ويلبسها صيفاً شتاءً لأنّها تعطيه البركة والقوة. في باقي الغرف نجد تماثيل ترمز إلى مشاهد تقليدية قديمة لم تعد موجودة في يومنا. أبرز هذه المشاهد هو مشهد والدة موسى التي تجلس وهي رافعة يديها تدعو له مع لوحة مكتوب عليها دعاءها الشهير لموسى.
في الطابق السفلي نجد غرفة المضافة العربية لتقديم القهوة العربية. من المضافة نتوجّه إلى صالة كبيرة تعرض فيها القطع الفنية المصنوعة من النحاس، خشب الأرز، الأونيكس والزجاجيات وقطع الكروشيه.
عبر المرور بدهليز صغير يمكننا الدخول إلى متحف الأسلحة الذي تم افتتاحه في عام ١٩٩٧. كان موسى يهوى تجميع السلاح ويظهر ذلك من خلال عدد الأسلحة التي ضمّها المتحف. نجد أكثر من ٢٠ ألف قطعة سلاح فردي تتوزّع بين رماح سيوف بواريد ألمانية وفرنسية كان أقدمها بندقية فرنسية تعود للعام ١٨٦٦. يضمّ المتحف أيضاً على عدد كبير من الحلي التي تتوزّع بين عقود أساور وخواتم.
إلى جانب المتحف نرى مشهد أخذه موسى من ترميم قصر بيت الدين و رسم أيضاً أميرات شهابيات يجلسن مع بعضهن. كما صنع موسى مشهد يرمز إلى سجن كان المسيحيون يتعرّضون للاضطهاد في السجن الروماني.
وفاة موسى المعماري:
في ٣٠ كانون الثاني من عام ٢٠١٨ توفي موسى المعماري تاركاً خلفه ثروة أثرية لا يمكن غض البصر عنها وعن مدى روعتها. يستحقّ قصر موسى لأهمية قصته ومدى غناه من الداخل بسبب احتوائه على الكثير من الآثار أن يحظى بزيارة من جميع اللبنانيين والسائحين لعيش حلم موسى ورؤية التحف التي صنعها بيديه الساحرتين.