مسجد أرغون شاه، معلم أثري قديم!

عُرفت طرابلس الفيحاء قديماً بالمدينة المتكاملة على جميع الأصعدة. حيث كانت تتمتّع باقتصاد مزدهر، نمو عمراني متطور وقطاع سياحي نشيط نسبة لوجود الكثير من الأماكن والمعالم التاريخية فيها. بالرغم من تراجع القطاع الاقتصادي الزراعي والسياحي فيها بسبب الكثير من العوامل التي جعلت من طرابلس مدينة فقيرة. إلّا أنّ طرابلس عاصمة الشمال ما زالت إلى يومنا هذا متمسّكة بجميع الآثار التي ورثتها من العهود الإسلامية وغير الإسلامية منذ القدم. في كل حيّ و شارع  شعبي من مناطق طرابلس نجد مسجد أثري قديم يعود إلى عهد معين تم بناؤه فيها. أغنت هذه التحف الأثرية طرابلس وجعلتها فريدة في تراثها من بين المدن اللبنانية. إنّ مقصد رحلتنا اليوم هو مسجد “أرغون شاه” الذي يستحق الزيارة والاستكشاف.

موقع مسجد أرغون شاه:

يقع مسجد أرغون شاه في منطقة باب الرمل في طرابلس شمال لبنان. تحديداً في حي البلاط بالقرب من المدرسة الخاتونية. هذه المدرسة هي واحدة من أقدم المدارس الدينية التي تملأ طرابلس. الأمر الذي جعل هذا الشارع حيّ بالتراث التاريخ المعالم الدينية  والآثار المملوكية.

تاريخ مسجد أرغون شاه:

كان المسجد في بداية عهده زاوية أثرية فقط. تم تحويل هذه الزاوية إلى مدرسة ومن ثمّ أصبح  مسجداً للصلاة وقراءة القرآن. بني المسجد على يد الأمير سيف الدين أرغون شاه الإبراهيمي الذي كان يحكم طرابلس في ذلك الوقت. يعود المسجد إلى عهد المماليك فقد تم بناؤه في عام ١٣٩٧ ميلادي.

تسمية المسجد واختلاف لفظه:

سمّي المسجد باسم أرغون شاه نسبة للأمير سيف الدين أرغون شاه. لكنّ أغلب النّاس يلقّبوه باسم “الغنشا” كاختصار لاسمه عوضاً عن لفظ كلمة أرغون شاه التي تعتبر كلمة ثقيلة اللفظ وبعيدة عن اللهجة الطرابلسية الشعبية.

مسجد أرغون شاه

. أغنت هذه التحف الأثرية طرابلس وجعلتها فريدة في تراثها من بين المدن اللبنانية.

هندسة مسجد أرغون شاه:

لمسجد أرغون شاه بابين خشبيين. باب من الناحية الشرقية والآخر من الناحية الغربية. تميّز الباب الشرقي لوحة تاريخية فيها كتابات بالخط العربي. إن الجامع مصنوع من الحجر الأبلق المملوكي الذي يتمثّل بحجارة بيضاء وسوداء اللون بالإضافة إلى الحجر الرملي. تعلو المسجد مئذنة كبيرة مربّعة القاعدة من الأسفل. ثم تأتي فوق القاعدة المربعة عمود دائري يليه الطابق الأخير الذي يشكّل طابق المؤذن. إنها مئذنة كبيرة الحجم تظهر على المارّة من خارج الشارع الذي يتمركز فيه المسجد.

عند مدخل المسجد يوجد ممر واسع. يستخدم هذا الممر للوضوء أيضاً قبل الدخول إلى الحرم الداخلي للصلاة. بني المدخل والممر في عام ١٤٧٥ ميلادي. تزيّن سقف الحرم الداخلي عقود وقناطر توجد فوقها قبّة. في وسط حرم المسجد منبر خشبي ومحراب فريد من نوعه عن باقي المساجد لأنه بني بشكل ملتوي ليتوافق مع اتجاه القبلة. يوجد فوق المحراب لوحة تتضمّن آية قرآنية بالخط العربي “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.”

في الحرم الداخلي أيضاً ثريا كبيرة تتدلّى من السقف. تملأ جدران الممر الذي يفصل بين المدخل والحرم الداخلي لوحات تاريخية متعددة. كما توجد في جدران حرم الصلاة شبابيك زجاجية ذات أطراف خشبية بنية اللون.

مسجد أرغون شاه

سمّي المسجد باسم أرغون شاه نسبة للأمير سيف الدين أرغون شاه.

مسجد أرغون شاه بين الماضي والحاضر:

اختلف شكل المسجد مع مرور الوقت حيث كان سابقاً عبارة عن أربع إيوانات توجد في وسطها بركة كبيرة وكان يطلّ على البساتين والحقول. لكن ما نراه اليوم هو أن المسجد أصبح فقط مكان لأداء الصلاة بدون وجود بركة مياه وبساتين في رحابه.

أهمية مسجد أرغون شاه:

يشكّل مسجد أرغون شاه المسجد الأقرب لسكان منطقة باب الرمل إذ أنه يقع بالقرب من بيوتهم ولا يبعد عنها سوى العديد من الخطوات. هذا بالإضافة إلى الروحانية ، السكون والهدوء الذي يشعر به المصلّين حين يأدّون الصلاة فيه.

مسجد أرغون شاه

تميّز الباب الشرقي لوحة تاريخية فيها كتابات بالخط العربي

يبقى لجميع مساجد طرابلس الفيحاء طابع خاص يميّزها عن باقي المساجد الموجودة في المناطق اللبنانية ويجعلها معالم أثرية تحظى بزيارة الكثير من السائحين من مختلف الجنسيات و اللبنانيين المغتربين الذين يقصدون هذه الأماكن لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو. حيث تبقى هذه الصور والمقاطع ذكريات مخلّدة في عقولهم وقلوبهم بالإضافة إلى هواتفهم. كما تصبح قصص تاريخية يقصّوها على آذان  أطفالهم وأحفادهم في المستقبل.